الأحد، 9 يوليو 2017

عندنا يحب الكُتاب !

جمعت أناييس نن الكاتبة الأمريكية من اصل اسباني وهنري ميلر علاقة قوية واستثنائية، ( بوهيمية ) مابين الصداقة والحب والجنس طوال فترة طويلة

كانت صديقة ومُحسنة إليه ومُعيلة، ويبدو جلياً من الرسالة التالية مدى عمق العلاقة بين الاثنين؛ لقد شارك ميللر نن حياتها وعملها وغرفتها وفراشها

كان يتغلغل تحت جلدها وكانت تتغلغل تحت جلده، حتى يكاد المرء لا يصدّق أنها انتهت في وقت من الأوقات. الرسائل التالية مأخوذة من مجموعة المراسلات الضخمة بين نن وميللر وتحمل عنوان
“A Literate Passion ”


 (1)
نيويورك
آذار 1935

أناييس،
ليتك تكونين معي على مدى أربع وعشرين ساعة، تراقبين كل إيماءاتي، تنامين معي، تأكلين معي، تعملين معي، هذه الأمور لا يمكن أنْ تحدث. عندما أكون بعيداً عنك أفكر فيك باستمرار، فذلك يُلوِّن كل ما أقول وأفعل. ليتكِ تعرفين كم أنا مُخلص لك! ليس فقط جسدياً، بل وعقلياً، وأخلاقياً، وروحياً. لا شيء يُغويني هنا، لا شيء على الإطلاق. إنني منيع ضد نيويورك، وضد أصدقائي القُدامى، وضد الماضي، ضد كل شيء.

(2)
للمرة الأولى في حياتي أنا منغمس تماماً في كائن آخر، فيك.. في استطاعتي أنْ أتخلّى عن كل شيء من دون أنْ أخشى الإرهاق أو الضياع.. عندما كتبتُ في مقالتي بالأمسلو أني لم أذهب إلى أوروبا إلى آخره …” لم أكن أقصد أوروبا، بل أنتِ. لكني لا أستطيع أنْ أجهر بهذا للعالم في مقالة، إنَّ أوروبا هي أنتِ !
لقد استوليتِ عليّ، أنا المكسور وأنتِ التي جعلتني كاملاً. ولن أتداعى أبداوليس هناك أدنى قدر من الخطر من وقوع هذا، لكني الآن أشدّ حساسية، وأكثر استجابة لأقل خطر. فإذا لاحقتكِ بجنون، وناشدتكِ أنْ تصغي، ووقفتُ خارج بابك وانتظرتكِ، فذلك ليس محاولة لإذلال نفسي. بالنسبة إليّ ليس هناك إذلال في هذا الكفاح للاحتفاظ بك. هذا فقط برهان على أني على وعي تام، ويقظة شديدة، وتوق، بل توق عميق ويأس لأجعلكِ تدركين أنَّ حبي العظيم لك شيء حقيقي وجميل إلى أقصى مدى..

(3)
في السابق كنتُ أكيل لأي امرأة الصاع صاعين مقابل أي ألم تُسببه لي. لكني الآن أعلم أنَّ الألم هو نتيجة سلوكي أنا.. أعلمُ أنه حالما يحدث أمر، أمر خاطئ، فإنَّ الخطأ هو خطأي أنا. إنني لا أشعر بالذنب، بل بمذلة عميقة في مواجهة حبي ! إنني لا أشكّ فيكِ، يا أناييسبأي صورة من الصور..

لقد قدّمتِ لي كل البراهين التي يمكن لامرأة أنْ تقدّمها إلى رجل. أنا الذي ينبغي أنْ أتعلّم كيف أقبل هذا الحب وأصونه. لقد ارتكبت الكثير من الأخطاء الفادحة. وسأرتكب المزيد منها، دون شك. لكني لن أتراجع. يبدو أنَّ كل يوم يرفعني إلى مستوى أعلى، إلى الذُرياتركيني هناك، أتوسّل إليك..

(4)
إنني أشعر وأنا أتحدث مع الناس بشيء غاية في الجمال داخلي. أشعر بالمسافة بيني وبين الآخرين. وأصون تلك المسافة. لا أعلم مَنْ أنا. لم تعد هناك أية شكوك. ولكن عندما تبتعدين عني، حتى ولو قليلاً، يهبط السواد عليّ، أشعر بأني مُحاصَر. ولكي نُحافظ على ما خلقنا بيننا، وداخلنا، علينا أنْ نتحرّك بسرعة وأنْ نتعرََّض للخطر، ونحن في كامل وعينا. لقد وصلنا إلى شيء لم تعرفه إلا القِلّة القليلة من الناس. يجب أنْ نكون صادقَين مع نفسينا، ومع ما نعرف ونشعر. إذا زللتِ، يجب أنْ أرفعكِ. وإذا زللت، يجب أنْ تفعلي الأمر نفسه. وإلا اهتزَّ العالم..

(5)
لا تظني، يا أناييس، أنَّ ما يدفعني إلى التصرُّف بيأس هو خوفي من أنْ أفقدكِ، إنه ليس الخوف، بل الرغبة في التمسُّك بك .. إنَّ ذاتي الخائفة ماتت! تلك الذات كانت سلبية، مُهمِلة، وغائبة عن الوعي !

والرجل الذي أنا عليه الآن يقِظ وفعّال، إنه يقفز، ويُقاتل، ويرفض أنْ يُرخي قبضته. هناك فرق، ألا ترين؟ الذات القديمة كانت ستنحل وتذوي على السرير، أو ستسكر، أو تهيم على وجهها في الشوارع، أو تلجأ إلى صديق قديم. لم يعُد في استطاعتي أنْ أفعل هذه الأمور. هذه الأمور كلها كانت تُخفف عني، تمكّنني من العويل ألماً ومعاناة، وربما كنتُ أرغم فيهما حينئذٍ. لا أريد أنْ أُعذِّب نفسي !

سوف أضع نفسي تحت تصرّفك دائماً، وجهاً لوجه، بسرعة، ومباشرة. لم أسمح بأي غلط، بأي حادث يتطور بسرعة إلى سوء فهم. لن أسمح لنبات ضار واحد ينمو في هذه الحديقة التي نُعدّ. إنَّ الحياة قصيرة قِصراً مُرعباً لنُحقق فيها معاً رغباتنا كلها. يجب أنْ نُمسك بالزمن ونلوي عنقه، يجب أنْ نعيش كلٌ منا داخل الآخر

(6)
لم أتمكن من التفكير أين يمكن أنْ تكوني، وماذا تفعلين ؟؟ لم أُصدّق أنكِ ما زلت غاضبة مني، لم أفكّر إلا في أنكِ تبتعدين عني، متألمة، وحائرة، ويائسة من حبي!

تقولين أنكِ كنتِ تبكين... وأنا كنتُ أبكي، أجوب الشوارع والدموع تسيل على وجهي .. آه، لماذا، لماذا ؟ لماذا علينا أنْ نعاني ؟ هل نحن هشّون، مُعرَّضون لكل سهم؟ هذا شيء جميل وفظيع، لكننا أشبه بتوأم نحاول أنْ ننفصل، دعينا نبقى ملتصقَين معاً، بكل ما في الكلمة من معتنى.. ادخلي فيّ، يا أناييس، وابقي هناك، لا تخرجي مني أبداً، ولا بمقدار فكرةٍ واحدة

(7)
لقد مررتُ وإياكِ بتجارب رهيبة، تجارب مرعبة، ألا نستطيع أنْ نُغرق هذا كله في حبّنا ؟ أنتِ تعلمين الآن أني لا أحمل أفكاراً زائفة عنكِ، وأني قبلتكِ كامرأة، امرأتي... فلا تعاقبيني بسبب بطئي ! بل اشكري النجوم لأننا كافحنا ونجحنا

لقد أخبرتك ذات مرة في رسالة كم أنا متيقّن من أنَّ مصير الإنسان كامنٌ داخله وليس هناك في النجوم.. وشعوري بهذا يترسّخ أكثر فأكثر، ألستِ معي ؟ ألستِ معي ؟ يجب أنْ تكوني كذلك، لأنَّ هذا ما أستشفّه من رسالتكِ.. كيف يمكن ألا تكون القفزة الجريئة التي قمتِ بها إلا استجابةً لإملاء داخليّ.. كان يجب أنْ تقفزي من أجلي، لكي تُنيري لي الطريق !

لقد أثبتِّ ما أخبرتكِ ذات يوم أنه قول رائعهل تذكرين ؟الجرأة لا تقتللقد رأيتِها في الملاحظات التي دوّنتها على الطاولة إنني أتذكَّر جيداً كل ما لاحظتِ، أستطيع أنْ أرى ضياءً في وجهكِ، وفي يديكِ المتلهّفتين، وفي إيماءاتك التي ترسمينها في الهواء وتشبه الطيور، أنتِ بالنسبة إليّ الضوء نفسه _ أينما تمرين يومضُ ضياء مُبهِر _

(8)
أنتِ فنانةفي الحياةوأي تقريظ يمكن أنْ أصِفكِ به ؟ أنا كنتُ فناناً فقط بالكلام، وفي الحياة كنتُ فاشلاً بمرارة كلمات، كلماتكم تخنق روح المرء ! أعطني المرأة وسوف تحتل الكلمات موقعها المناسب لقد كنتُ عبداً للكلمات الآن سوف أستخدمها ..

(9)
يبدو أنَّ العالم كله ملتحماً بكِفلماذا أخرج سعياً وراءه ؟!

(10)
آه، ألا ترين وتعرفين وتصدقين كل ما أكتب إليك ؟ أليس واضحاً وصحيحاً وعادلاً ؟ ألن تمكثي معي، في ؟ داخلي دائماً ؟ لقد صعدتُ من أعماق سحيقة لأعثر عليك .. إنَّ قولي إني أحبك ليس كافياً ! إنه أكثر بكثير، بكثير... اسبري أعماقي، أخرجي كل ما في داخلي، أشعر بأني غني غنى لا ينضب

/
كل احترامي
عبيد الصافي
osafi@outlook.sa